لم تشفع للمواطنة الفلسطينية ماجدة حجاج (64 عامًا) ولا لابنتها رُبا (35 عامًا) الرايات البيضاء التي رفعاها أثناء خروجهما من منزلهما بعد قصفه أثناء الحرب على غزة، وبدم بارد أطلق جندي إسرائيلي تابع للواء «جفعاتي»، النار عليهما في مخالفة صريحة لقوانين الحرب الدولية، التي تعتبر الحادث جريمة حرب، وأرداهما قتيلتين، بحسب تقرير القاضي جولدستون عن الحرب الإسرائيلية على غزة في 2009.تقول إسرائيل وتروّج في كل العالم إنها «واحة الديمقراطية في المنطقة»، ويؤكد القادة العسكريون الإسرائيليون طوال الوقت التزامهم بقوانين الحرب وأن الجيش الإسرائيلي هو «الأكثر أخلاقية في العالم».وكان للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية قراران في هذا السياق، الأحد الماضي، الأول: إخضاع جندي إسرائيلي للإقامة الجبرية بعد نشره صورة له على موقع «فيس بوك» وهو يرفع قطًّا من ذيله، وتوجيه تهمة «معاملة حيوان بوحشية» له، والثاني: قرار للمحكمة العسكرية في يافا بحبس الجندي الإسرائيلي الذي قتل «ماجدة» و«رُبا» بدم بارد خلال حرب غزة، 45 يومًا فقط.يعلق المحامي حسن جبارين، مدير مركز عدالة لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، على القرارين في اتصال مع «المصري اليوم» من حيفا قائلًا: إن «دم القطة أهم من الدم الفلسطيني، لأنه يبرز الجانب الإنساني عند الإسرائيليين، أما الدم الفلسطيني فيبرز صفة المقاتل الإسرائيلي».ويضيف جبارين: «المحاكم الإسرائيلية تحاول إظهار الإسرائيليين إنسانيين، في حالة القطة، بينما يهتمون بالظهور كمقاتلين في الحالة الأخرى».يقول المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، مؤسس التجمع الوطني الديمقراطي (فلسطين 48)، إن «إسرائيل ديمقراطية مع اليهود وصهيونية ضد العرب»، ويبدو أن الأمر يكتسب خصوصية إذا ما كان ضد الفلسطينيين، فإسرائيل، كما يقول حسن جبارين لـ«المصري اليوم»، «لا تدين أي جندي لقتله فلسطينيًّا سواء في الضفة أو غزة، وسياستها تتعارض مع القانون الجنائي الدولي».ويشير مدير مركز عدالة لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل إلى أن تقديم لائحة اتهام ضد الجندي الإسرائيلي الذي قتل أُمًّا وابنتها في غزة كان استثناء، كي تقول إسرائيل إنها ملتزمة بالقانون الدولي، بعد تأكيد تقرير القاضي الدولي جولدستون أن الحادث جريمة قتل عمد.«الجريمة موثقة جيدًا ومكتملة الأركان»، كما يقول عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، في اتصال هاتفي مع «المصري اليوم» من قطاع غزة.ويضيف: «نحن نتحدث عن جريمة وصفها القانون الدولي بأنها جريمة حرب وقتل عمد، القضية موثقة بالصوت والصورة، ومكتملة الأركان ينبغي ملاحقة من اقترفها ومن أمر ومن تغاضى عنها، إلا أن القرار يعد بمثابة إعطاء رخصة وضوء أخضر للمضي قدمًا في ارتكاب الجرائم».ويقول المحامي الحيفاوي حسن جبارين (من فلسطينيي 48) إن «التعويل على ديمقراطية إسرائيل يشير إلى عدم فهم القانون الإسرائيلي»، ويضيف: «إسرائيل تتعامل مع الفلسطينيين منذ أكثر من 60 عامًا بعيدًا عن القانون. في القانون الإسرائيلي تصل عقوبة جريمة القتل إلى المؤبد، حتى في جرائم القتل غير المتعمد مثل حوادث السير تكون العقوبة من 5 إلى 10 سنوات».في مثل هذه القضايا تمنح المحاكم الإسرائيلية تفسيرًا قانونيًا يجعل القاتل يهرب من العقاب، طالما كانت الضحية فلسطينية، يقول جبارين: «المحاكم الإسرائيلية تقدم تفسيرًا قانونيًا يبعد المتهم من تهمة القتل العمد، وبالتالي تحفظ الجريمة كأنها خطأ تقني وكل شخص يمكن أن يقوم به، وبالتالي فلا حاجة لعقاب أكثر من عقاب من يقوم بخطأ تقني، لأن العملية العسكرية تجرم القتل المتعمد، وهكذا أصبحت القضية قضية إهمال اختزلت جريمة الجندي إلى أنه لم ينتبه للتعليمات، أما حياة من قتلهما فهي ليست في الاعتبار لأنهما فلسطينيتان».في تقريره عن حرب غزة، قال القاضي الدولي جولدستون: إن ما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي أثناء الحرب جرائم حرب قد تصل إلى جرائم ضد الإنسانية.ويقول مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، المحامي الفلسطيني عصام يونس لـ«المصري اليوم» من قطاع غزة: «في مناطق أخرى من العالم يتم تقديم مرتكبي هذه الجرائم لمحاكم تصل للإعدام في بعض الأحيان، إلا أن الأمر يختلف عندما يتعلق بهذه المنطقة في العالم».ويرى عصام يونس حكم المحكمة العسكرية الإسرائيلية بأنه ليس منعزلًا عن مسلسل تبرئة مجرمي الحرب الإسرائيليين ومنحهم حصانة عما ارتكبوه من جرائم، ويقول: «العقوبة تعني تسامحًا وحصانة، وتجعل الاحتلال يشعر بأنه دولة محصنة».