السلام عليكم ورحمه الله وبركاته محمد على باشا
نشأته وقدومه إلى مصرالمنزل حيث وُلد محمد علي باشا في مدينة
قولة، شمال
اليونان حاليًا. احتفظت به الحكومة اليونانية وأجرت عليه بعض التصليحات كي يظل قائمًا، ويُشكل حاليًا معلمًا من معالم المدينة.
ولد في مدينة
قولة التابعة
لمحافظة مقدونيا شمال
اليونان عام
1769، لأسرة
ألبانية.
[1][2][3][4][5] كان أبوه "إبراهيم آغا" رئيس الحرس المنوط بخفارة الطريق ببلده،
[6] وقيل أن أباه كان تاجر
تبغ. كان لوالده سبعة عشر ولدًا لم يعش منهم سواه،
[7] وقد مات عنه أبوه وهو صغير السن، ثم لم تلبث أمه أن ماتت فصار يتيم
الأبوين وهو في الرابعة عشرة من عمره فكفله عمه "طوسون"، الذي مات أيضًا،
فكفله حاكم قولة وصديق والده "الشوربجي إسماعيل" الذي أدرجه في سلك
الجندية، فأبدى شجاعة وحسن نظر، فقربه الحاكم وزوجه من امرأة غنية وجميلة
تدعى "أمينة هانم"، كانت بمثابة طالع السعد عليه، وأنجبت له
إبراهيم وطوسون وإسماعيل ومن الإناث أنجبت له ابنتين.
[6] وحين قررت
الدولة العثمانية إرسال جيش إلى
مصر لانتزاعها من أيدي
الفرنسيين كان هو نائب رئيس الكتيبة
الألبانية والتي كان قوامها ثلاثمائة جندي، وكان رئيس الكتيبة هو ابن حاكم
قولة الذي لم تكد تصل كتيبته ميناء
أبو قير في
مصر في ربيع عام 1801،
[8] حتى قرر أن يعود إلى بلده فأصبح هو قائد الكتيبة.
[6] ووفقًا لكثير ممن عاصروه، لم يكن يجيد سوى
اللغة الألبانية، وإن كان قادرًا على التحدث
بالتركية.
[9][10]بعد فشل
الحملة الفرنسية على مصر، وانسحابها عام 1801، تحت ضغط الهجوم
الإنجليزي على الثغور المصرية، الذي تواكب مع الزحف العثماني على بلاد
الشام،
[11] إضافة إلى اضطراب الأوضاع في أوروبا في ذلك الوقت. شجع ذلك
المماليك على العودة إلى ساحة الأحداث في مصر، إلا أنهم انقسموا إلى فريقين أحدهما إلى جانب القوات العثمانية العائدة لمصر بقيادة
إبراهيم بك الكبير والآخر إلى جانب الإنجليز بقيادة
محمد بك الألفي.
[6] ولم يمض وقت طويل حتى انسحب الإنجليز من مصر وفق
معاهدة أميان.
[12] أفضى ذلك إلى فترة من الفوضى نتيجة الصراع بين العثمانيين الراغبين في أن
يكون لهم سلطة فعلية لا شكلية على مصر، وعدم العودة للحالة التي كان عليها
حكم مصر في أيدي المماليك، وبين المماليك الذين رأوا في ذلك سلبًا لحق أصيل
من حقوقهم.
[13] شمل ذلك الصراع مجموعة من المؤامرات والاغتيالات في صفوف الطرفين، راح ضحيتها أكثر من والٍ من الولاة العثمانيين.
[14] خلال هذه الفترة من الفوضى، استخدم محمد علي قواته الألبانية للوقيعة بين الطرفين، وإيجاد مكان له على مسرح الأحداث،
[13] كما أظهر محمد علي التودد إلى كبار رجالات المصريين وعلمائهم ومجالستهم
والصلاة ورائهم، وإظهار العطف والرعاية لمتاعب الشعب المصري وآلامه، مما
أكسبه أيضًا ود المصريين.
[14][15] وفي مارس 1804، تم تعيين والٍ عثماني جديد يدعى "
أحمد خورشيد باشا"،
الذي استشعر خطورة محمد علي وفرقته الألبانية الذي استطاع أن يستفيد من
الأحداث الجارية والصراع العثماني المملوكي، فتمكن من إجلاء المماليك إلى
خارج القاهرة، فطلب من محمد علي بالتوجه إلى
الصعيد لقتال المماليك، وأرسل إلى
الآستانة طالبًا بأن تمده بجيش من "الدلاة".
1 وما أن وصل هذا الجيش حتى عاث في
القاهرة فسادًا مستوليا على الأموال والأمتعة ومعتديا على الأعراض، مما أثار تذمر
الشعب، وطالب زعماؤه الوالي خورشيد باشا بكبح جماح تلك القوات، إلا أنه فشل
في ذلك، مما أشعل ثورة الشعب التي أدت إلى عزل الوالي،
[14] واختار زعماء الشعب بقيادة
عمر مكرم -نقيب الأشراف- محمد علي ليجلس محله.
[13][14] وفي 9 يوليو 1805، وأمام حكم الأمر الواقع، أصدر السلطان العثماني
سليم الثالث فرمانًا سلطانيًا بعزل خورشيد باشا من ولاية مصر، وتولية محمد علي على مصر.
[14] تولّي العرش خطر الألفيخيّآلة من المماليك، حكّام مصر القدامى.
بعد أن بايعه
أعيان الشعب في دار المحكمة ليكون واليًا على
مصر في
17 مايو سنة
1805م والذي أقره فيها الفرمان السلطاني الصادر في
9 يوليو من نفس العام، كان على محمد علي أن يواجه الخطر الأكبر المحدق به، ألا وهو
المماليك بزعامة محمد بك الألفي الذي كان المفضل لدى الإنجليز منذ أن
ساندهم عندما أخرجوا الفرنسيين من مصر. ولم يمض سوى 3 أشهر حتى قرر
المماليك مهاجمة
القاهرة،
وراسلوا بعض رؤساء الجند لينضموا إليهم عند مهاجمة المدينة. علم محمد علي
بما يدبر له، فطالب من رؤساء الجند مجاراتهم واستدراجهم لدخول المدينة. وفي
يوم الاحتفال
بوفاء النيل عام
1805،
هاجم ألف من المماليك القاهرة، ليقعوا في الفخ الذي نصبه محمد علي لهم،
وأوقع بهم خسائر فادحة، مما اضطرهم للانسحاب. حينئذ، استغل محمد علي
الفرصة، وطاردهم حتى أجلاهم عن
الجيزة، فتقهقروا إلى
الصعيد الذي كان ما زال في أيديهم.
[16]وفي أوائل عام
1806م،
أنفذ محمد علي جيشًا لمحاربة المماليك في الصعيد بقيادة حسن باشا قائد
الفرقة الألبانية، الذي اشتبك مع قوات محمد بك الألفي الأكثر عددًا في
الفيوم، وانهزمت قوات محمد علي مما أدى إلى انسحابها إلى جنوب الجيزة، ثم فرّت جنوبًا إلى
بني سويف من أمام قوات محمد بك الألفي الزاحفة نحو الجيزة. تزامن ذلك مع زحف قوات إبراهيم بك الكبير وعثمان بك البرديسي من
أسيوط لاحتلال
المنيا، التي كانت بها حامية تابعة لمحمد علي، إلا أن قوات حسن باشا دعّمت الحامية وأوقفت زحف قوات المماليك إلى المنيا.
[17]في تلك الأثناء، صدر فرمان سلطاني بعزل محمد علي من ولاية مصر، وتوليته ولاية
سلانيك.
أظهر محمد على الامتثال للأمر واستعداده للرحيل، إلا أنه تحجج بأن الجند
يرفضون رحيله قبل سداد الرواتب المتأخرة. وفي الوقت نفسه، لجأ إلى عمر مكرم
نقيب الأشراف الذي كان له دور في توليته الحكم ليشفع له عند السلطان
لإيقاف الفرمان. فأرسل علماء مصر وأشرافها رسالة للسلطان، يذكرون فيها
محاسن محمد علي وما كان له من يد في دحر المماليك، ويلتمسون منه إبقائه
واليًا على مصر. فقبلت
الآستانة ذلك على أن يؤدي محمد علي 4,000 كيس،
2 ويرسل ابنه
إبراهيم رهينة في الآستانة إلى أن يدفع هذا الفرض.
[18]بعد أن توجه محمد بك الألفي إلى الجيزة، لم يهاجم القاهرة وإنما توجه إلى
دمنهور بناءً على اتفاق سري بينه وبين حلفائه الإنجليز، ليتخذها مركزًا لتجميع
قواته، فحاصرها إلا أن أهالي المدينة وحاميتها استبسلوا في الدفاع عنها.
وعندما بلغ محمد علي أنباء حصار دمنهور، أرسل جزءًا من جيشه لمواجهة قوات
محمد بك الألفي، فوصلت إلى
الرحمانية في أواخر شهر يوليو من عام
1806، واشتبكوا مع قوات الألفي بالنجيلة وهي قرية بالقرب من الرحمانية، وتعرض جيش محمد علي للمرة الثانية للهزيمة، وانسحبوا إلى
منوف.
عاد الألفي لحصار دمنهور، إلا أنه لم يبلغ منها منالاً، فقد طال الحصار
فتألّب عليه جنوده متذمرين، مما اضطره لفك الحصار والانسحاب إلى الصعيد.
وسرعان ما جاءت محمد علي أنباء وفاة عثمان بك البرديسي أحد أمراء مماليك
الصعيد، ثم أنباء وفاة الألفي أثناء انسحابه، فاغتبط لذلك. سرعان ما جرد
جيشًا وتولى قيادته لمحاربة المماليك في الصعيد. استطاع جيش محمد علي أن
يهزم المماليك في
أسيوط، ويجليهم عنها، واتخذ منها مقرًا لمعسكره حيث جاءته أنباء
الحملة الإنجليزية.
[19] حملة فريزرفي إطار
الحرب الإنجليزية العثمانية، وجهت
إنجلترا حملة من 5,000 جندي بقيادة
الفريق أول فريزر،
[20] لاحتلال
الإسكندرية لتأمين قاعدة عمليات ضد
الدولة العثمانية في
البحر المتوسط، كجزء من استراتيجية أكبر ضد
التحالف الفرنسي العثماني.
[21]أنزلت الحملة جنودها في شاطئ العجمي في
17 مارس سنة
1807، ثم زحفت القوات لاحتلال الإسكندرية، التي سلمها محافظ المدينة "أمين أغا"
3 إلى القوات البريطانية دون مقاومة، فدخلوها في
21 مارس.
[22] وهناك بلغتهم أنباء وفاة حليفهم الألفي، فأرسل فريزر إلى خلفاء الألفي في
قيادة المماليك ليوافوه بقواتهم إلى الإسكندرية. وفي الوقت ذاته، راسلهم
محمد علي ليهادمهم، إلا أنهم خشوا أن يتهموا بالخيانة، فقرروا الانضمام
لقوات محمد علي، وإن كانوا يضمرون أن يسوّفوا حتى تتضح نتائج الحملة
ليقرروا مع من ينضموا.
[23] قرر فريزر احتلال
رشيد و
الرحمانية، لقطع طريق التعزيزات التي قد تأتي إلى المدينة عبر
نهر النيل.
[24]وفي
31 مارس، أرسل فريزر 1,500 جندي بقيادة
اللواء "باتريك ويشوب" لاحتلال رشيد، فاتّفقت حامية المدينة بقيادة "علي بك
السلانكلي" والأهالي على استدراج الإنجليز لدخول المدينة دون مقاومة، حتى
ما أن دخلوا شوارعها الضيقة، حتى انهالت النار عليهم من الشبابيك وأسقف
المنازل، وانسحب من نجا منهم إلى
أبو قير والإسكندرية، بعد أن خسر الإنجليز في تلك الواقعة نحو 185 قتيل و 300 جريح، إضافة إلى عدد من الأسرى.
[25] أرسلت الحامية الأسرى ورؤوس القتلى إلى القاهرة، وهو ما قوبل باحتفال كبير في القاهرة.
[26][27]ولأهمية المدينة، أرسل فريزر في
3 أبريل جيشًا آخر قوامه 2,500 جندي بقيادة الفريق أول ويليام ستيوارت، ليستأنف الزحف على المدينة، فضرب عليها في
7 أبريل حصارًا وضربها بالمدافع، وأرسل ستيوارت قوة فاحتلت قرية "الحمّاد" لتطويق رشيد، ومنع وصول الإمدادات للمدينة. وفي
12 أبريل،
عاد محمد علي من الصعيد، واطلع على الأخبار وقرر إرسال جيش من 4,000 من
المشاة و1,500 من الفرسان بقيادة نائبه "طبوز أوغلي"، لقتال الإنجليز. صمدت
المدينة لمدة 13 يومًا،
[26] حتى وصل الجيش المصري في 20 أبريل،
[25] مما اضطر ستيوارت إلى الانسحاب.
[28] كما أرسل رسولاً إلى
النقيب "ماكلويد" قائد القوة التي احتلّت الحمّاد يأمره بالانسحاب، إلا أنه لم
يتمكن من الوصول. وفي اليوم التالي، حوصرت القوة المؤلفة من 733 جنديًا في
الحمّاد.
[26] بعد مقاومة عنيفة، وقعت القوة بين قتيل وأسير.
[29] فعاد ستيوارت إلى الإسكندرية ببقية قواته، بعد أن فقد أكثر من 900 من رجاله بين قتيل وجريح وأسير.
[30]تابعت قوات محمد علي زحفها نحو الإسكندرية، وحاصروها.
[28] وفي
14 سبتمبر سنة
1807، تم عقد صلح بعد مفاوضات بين الطرفين، نص على وقف القتال في غضون 10 أيام، وإطلاق الأسرى الإنجليز،
[27][31] على أن تخلي القوات الإنجليزية المدينة،
[21] والتي رحلت إلى
صقلية في
25 سبتمبر.
[25] وبذلك تخلص محمد علي من واحد من أكبر المخاطر التي كادت تطيح بحكمه في بدايته.
التخلص من الزعامة الشعبيةنقيب الأشراف والزعيم الوطني الكبير الشيخ
عمر مكرم، خلعه محمد علي باشا من نقابة الأشراف في محاولة للتخلص من كبار الزعماء الشعبيين وتوطيد حكمه في البلاد.
على الرغم من المساعدات التي قدمتها الزعامة الشعبية بقيادة نقيب الأشراف
عمر مكرم،
لمحمد علي بدءً بالمناداة به واليًا، ثم التشفع له عند السلطان لإبقائه
واليًا على مصر. وبالرغم من الوعود والمنهج الذي اتبعه محمد علي في بداية
فترة حكمه مع الزعماء الشعبيين، بوعده بالحكم بالعدل ورضائه بأن تكون لهم
سلطة رقابية عليه، إلا أن ذلك لم يدم. بمجرد أن بدء الوضع في الاستقرار
النسبي داخليًا، بالتخلص من الألفي وفشل حملة فريزر وهزيمة المماليك
وإقصائهم إلى جنوب الصعيد، حتى وجد محمد علي أنه لن تطلق يده في الحكم، حتى
يزيح الزعماء الشعبيين. تزامن ذلك مع انقسام علماء
الأزهر حول مسألة من يتولى الإشراف على أوقاف الأزهر بين مؤيدي الشيخ
عبد الله الشرقاوي ومؤيدي الشيخ "محمد الأمير".
[32][33]وفي شهر يونيو من عام
1809، فرض محمد علي ضرائب جديدة على الشعب،
[32] فهاج الناس ولجأوا إلى عمر مكرم الذي وقف إلي جوار الشعب وتوعد بتحريك
الشعب إلي ثورة عارمة ونقل الوشاة الأمر إلى محمد علي. استغل محمد علي
محاولة عدد من المشايخ والعلماء للتقرب منه وغيرة بعض الأعيان من منزلة عمر
مكرم بين الشعب كالشيخ محمد المهدي والشيخ محمد الدواخلي، فاستمالهم محمد
علي بالمال ليوقعا بعمر مكرم. وكان محمد علي قد أعد حسابًا ليرسله إلي
الدولة العثمانية يشتمل علي أوجه الصرف، ويثبت أنه صرف مبالغ معينة جباها
من البلاد بناء علي أوامر قديمة وأراد يبرهن علي صدق رسالته، فطلب من زعماء
المصريين أن يوقعوا علي ذلك الحساب كشهادة منهم على صدق ما جاء به. إلا أن
عمر مكرم امتنع عن التوقيع وشكك في محتوياته.
[32]فأرسل يستدعي عمر مكرم إلي مقابلته، فامتنع عمر مكرم، قائلاً "إن كان
ولا بد، فاجتمع به في بيت السادات." وجد محمد علي في ذلك إهانة له، فجمع
جمعًا من العلماء والزعماء، وأعلن خلع عمر مكرم من نقابة الأشراف وتعيين
الشيخ السادات، معللاً السبب أنه أدخل في دفتر الأشراف بعض
الأقباط و
اليهود نظير بعض المال، وأنه كان متواطئًا مع المماليك حين هاجموا القاهرة يوم وفاء النيل عام 1805، ثم أمر بنفيه من القاهرة إلي
دمياط.
[32] وبنفي عمر مكرم اختفت الزعامة الشعبية الحقيقية من الساحة السياسية، وحل
محله مجموعة من المشايخ الذين كان محمد علي قادرًا على السيطرة عليهم إما
بالمال أو بالاستقطاعات، وهم الذين سماهم
الجبرتي "مشايخ الوقت".
[34] مذبحة القلعة مقال تفصيلي :
مذبحة القلعةبالرغم من أن محمد علي استطاع هزيمة المماليك، وإبعادهم إلى جنوب
الصعيد. إلا أنه ظل متوجسًا من خطورتهم، لذا لجأ إلى استراتيجية بديلة وهي
التظاهر بالمصالحة واستمالتهم بإغداق المال والمناصب والاستقطاعات عليهم،
حتى يستدرجهم للعودة إلى
القاهرة.
كان ذلك بمثابة الطعم الذي ابتلعه الجانب الأكبر من المماليك، الذين
استجابوا للدعوة مفضلين حياة الرغد والترف على الحياة القاسية والمطاردة من
قبل محمد علي. إلا أن بعض زعماء المماليك مثل إبراهيم بك الكبير وعثمان بك
حسن ورجالهم، لم يطمئنوا إلى هذا العرض، وفضلوا أن يبقوا في الصعيد.
[35]الجنود المصريين وقد أحاطوا بالمماليك من كل جانب وأمطروهم بوابل من الرصاص. بريشة إميل جان هوراس ڤيرنت.
مذبحة المماليك في القاهرة، ويبدو محمد علي باشا جالسًا.
في ديسمبر من عام
1807، تلقّى محمد علي أمرًا سلطانيًا من السلطان العثماني
مصطفى الرابع، بتجريد حملة لمحاربة
الوهابيين الذين سيطروا على
الحجاز، مما أفقد العثمانيين السيطرة على
الحرمين الشريفين،
وبالتالي هدد السلطة الدينية للعثمانيين. إلا أن محمد علي ظل يتحجج بعدم
استقرار الأوضاع الداخلية في مصر، بسبب حروبه المستمرة مع المماليك.
[36] لكن بعد تظاهره بالمصالحة مع المماليك، لم يبق أمام محمد علي ما يمنعه من
تجريد تلك الحملة، لذا قرر محمد علي أن يجرّد حملة بقيادة ابنه
أحمد طوسون لقتال الوهابيين. كان في تجريد تلك الحملة ورحيل جزء كبير من قوات محمد
علي خطر كبير على استقرار أوضاعه في مصر، فوجود المماليك بالقرب من
القاهرة، قد يشجعهم على استغلال الفرصة لينقضوا على محمد علي وقواته. لذا
لجأ محمد علي إلى الحيلة، فأعلن محمد على عن احتفال في
القلعة بمناسبة إلباس ابنه طوسون خلعة قيادة الحملة على الوهابيين، وحدد له
الأول من مارس سنة
1811، وأرسل يدعو الأعيان والعلماء والمماليك لحضور الاحتفال.
[35] لبى المماليك الدعوة، وما أن انتهى الاحتفال حتى دعاهم محمد علي إلى السير
في موكب ابنه. تم الترتيب لجعل مكانهم في وسط الركب، وما أن وصل المماليك
إلى طريق صخري منحدر يؤدي إلى باب العزب المقرر أن تخرج منه الحملة، حتى
أغلق الباب فتكدست خيولهم بفعل الانحدار، ثم فوجئوا بسيل من الرصاص انطلق
من الصخور على جانبي الطريق ومن خلفهم يستهدفهم.
[37] راح ضحية تلك المذبحة المعروفة
بمذبحة القلعة كل من حضر من المماليك، وعددهم 470 مملوك، ولم ينج من المذبحة سوى مملوك واحد يدعى "أمين بك"،
4 الذي استطاع أن يقفز من فوق سور القلعة.
[38] بعد ذلك أسرع الجنود بمهاجمة بيوت المماليك، والإجهاز على من بقي منهم،
وسلب ونهب بيوتهم، بل امتد السلب والنهب إلى البيوت المجاورة، ولم تتوقف
تلك الأعمال إلا بنزول محمد علي وكبار رجاله وأولاده في اليوم التالي، وقد
قُدّر عدد من قتلوا في تلك الأحداث نحو 1000 مملوك.
[35][37]تعرض محمد علي للعديد من الانتقادات من المؤرخين الغربيين بسبب غدره بالمماليك في تلك المذبحة،
5 بينما عدها البعض مثل
محمد فريد إحدى أفعال محمد علي الحسنة التي خلّص بها مصر من شر المماليك.
[37] بتخلص محمد علي من معظم المماليك، انسحب المماليك الذين بقوا في الصعيد إلى
دنقلة، وبذلك أصبح لمحمد علي كامل السيطرة على مصر.
[35] فترة خدمة السلطنة الحرب الوهابية العثمانية طالع أيضًا :
وهابية و
محمد بن عبد الوهابالأمير
عبد الله بن سعود الكبير بن عبد العزيز آل سعود، آخر أمراء
الدولة السعودية الأولى، قاتل الجيش المصري حتى هُزم عام
1818، وأُعدم في
الآستانة.
[36]ظهر عجز
الدولة العثمانية، منذ أوائل
القرن التاسع عشر، في إخماد الثورات التي قامت في وجهها، فاستنجدت بولاتها لإخمادها،
[39] ومن هذه الثورات التي أقضّت مضاجع الدولة:
الثورة اليونانية و
الحركة الوهّابية في
شبه الجزيرة العربية.
6 حقّقت الدعوة الوهّابية نجاحًا في
نجد، واحتضنها أمير
الدرعية محمد بن سعود بن محمد آل مقرن، وتجاوزتها إلى بعض أنحاء
الحجاز و
اليمن و
عسير وأطراف
العراق و
الشام، واستولى الوهابيون على
مكة و
الطائف و
المدينة المنورة،
[40] حتى بدا خطرها واضحًا على الوجود العثماني في أماكن انتشارها، بل في
المشرق العربي و
العالم الإسلامي، وأدّت دورًا هامًا في تطور الفكر الإسلامي الحديث،
[40] حيث تُعدّ أول حركة إصلاحية
سلفية في العصر الحديث، كما أنها أولى الحركات الإصلاحية التجديدية التي ظهرت في الدولة العثمانية.
[41]وشعرت الدولة العثمانية بخطورة تلك الحركة، وأدركت أن نجاحها سوف يؤدي إلى فصل
الحجاز وخروجه من يدها، وبالتالي خروج
الحرمين الشريفين، ما يفقدها الزعامة التي تتمتع بها في
العالم الإسلامي بحكم إشرافها على هذين الحرمين، في وقت كانت قد بدأت تسعى فيه إلى التغلب
على عوامل الضعف الداخلية، وتقوية الصلات بينها وبين أنحاء العالم الإسلامي
بوصفها مركز
الخلافة الإسلامية.
[41] شكّلت كل هذه العوامل حافزًا للدولة العثمانية للوقوف في وجه الدعوة
الوهّابية ومواجهتها للحد من انتشارها، فحاولت في بادئ الأمر عن طريق ولاة
بغداد و
دمشق لكنها فشلت،
[42] فوقع اختيارها على محمد علي باشا، فأعدّ هذا حملة عسكرية بقيادة ابنه
أحمد طوسون دخلت
ينبع و
بدر، إلا أنها انهزمت في
الصفراء.
[43] لم يستثمر الوهّابيون انتصارهم في الصفراء، وقبعوا في معاقلهم، ما أعطى طوسون الفرصة لإعادة تنظيم صفوف قواته، كما طلب إمدادات من
القاهرة، وأخذ يستميل القبائل الضاربة بين
ينبع و
المدينة المنورة بالمال والهدايا، ونجح في سياسته هذه التي مهّدت له السبيل لاستعادة المدينة المنورة ومكة والطائف،
[43] لكن الوهّابيين عادوا وانتصروا في
تَرَبة و
الحناكية وقطعوا طرق المواصلات بين مكة والمدينة،
[44] وانتشرت
الأمراض في صفوف الجيش المصري، وأصاب الجنود الإعياء نتيجة شدة القيظ وقلة المؤونة وال
ماء،
[45] ما زاد موقف طوسون حرجًا، فرأى بعد تلك الخسائر، أن يلزم خطة الدفاع، وأرسل إلى والده يطلب المساعدة.
[45]قرر محمد علي باشا أن يسير بنفسه إلى
الحجاز لمتابعة القتال والقضاء على الوهّابيين، وبسط نفوذ
مصر في
شبه الجزيرة العربية، فغادر مصر، في
26 أغسطس سنة
1812م، الموافق فيه
17 شعبان سنة
1227هـ، على رأس جيش آخر ونزل في
جدة ثم غادرها إلى
مكة وهاجم معاقل الوهّابيين، إلا أنه فشل في توسيع رقعة انتشاره، فأخلى
قنفذة بعد أن كان قد دخلها، وانهزم ابنه طوسون في
تَرَبة مرة أخرى.
[46] كان من الطبيعي بعد هذه الهزائم المتكررة ومناوشات الوهّابيين المستمرة
لوحدات الجيش المصري، أن يطلب محمد علي باشا المدد من مصر، ولمّا وصلت
المساعدات، وفيما كان يتأهب للزحف توفي خصمه
سعود في
27 أبريل سنة
1814م، الموافق فيه
6 جمادى الأولى سنة
1229هـ، وخلفه في الإمارة ابنه
عبد الله.
[47] ويبدو أن هذا الأمير لم يملك قدرات عسكرية تُمكنه من درء الخطر المصري ما
أدى إلى تداعي الجبهة الوهّابية، فصبّت هذه الحادثة في مصلحة محمد علي باشا