لم
يعد يفصلنا عن شهر رمضان الكريم سوى ساعات قليلة وليس للشارع الجزائري
حديث سوى عن الارتفاع الجنوني لمختلف المواد ذات الاستهلاك الواسع، خاصّة
اللّحوم التي عرفت ارتفاعا غير مسبوق والحديث عن الغياب الكلّي لممثّليهم
في البرلمان والحكومة، هذه الأخيرة حمّلوها مسؤولية المضاربة التي تعرفها
الأسواق الجزائرية، والتي أرهقت كاهل المواطنين وأفسدت نكهة الشهر الفضيل،
علما أن المتتبّعين يبقون في حالة ترقّب لملامح حكومة جديدة لم يُعلن عنها
حتى الآن·
المترقّب للشارع الجزائري يشاهد مدى سخطه على الحكومة التي لم
تنجح جميع سياستها في وضع حدّ للمضاربة التي فرضتها التجارة الموازية خوفا
من انتفاضة الجبهة الاجتماعية، ليتحمّل بذلك المواطن البسيط جشاعة التجّار
الذين لا تردعم حملات الرقابة التي تشنّها الوزارة ولا تهديداتها بمعاقبة
المخالفين منهم ويبقى همّهم الوحيد الكسب السريع الذي يدفع فاتورته غاليا
المستهلك الذي يعاني في الأساس (أي دون مناسبة) من ضعف القدرة الشرائية لأن
سياسة الإصلاح التي انتهجتها جميع الوزارات لتحسين الأوضاع المادية
الاجتماعية للموظّفين ورفع الحكومة الأجر الأدنى إلى 18 ألف دينار لم يأت
بالجديد، بل على العكس فقد فتح الباب للتجّار لرفع أسعار المواد الغذائية،
وكانت البداية بأزمة البطاطا التي أصبحت أسعارها تنافس الفواكه لعدّة أشهر
قبل أن تعود إلى طبيعتها·
ارتفاع جنوني لأسعار اللّحوم والخضر
هو
حال اليوم اللّحوم والمختلف الخضر التي لا تستغني عنها المائدة الجزائرية
في هذا الشهر، حيث قفز سعر اللّحوم إلى 1400 دينار للكيلوغرام الواحد في
حين وصل سعر الدجاج إلى 360 دينار· أمّا أسعار الخضر والفواكه فحدّث ولا
حرج، فحتى الموسمية منها لم تعد في متناول المواطن البسيط، حيث قفز سعر
الفلفل والقرعة إلى 100 دينار، أمّا الباذنجان والجزر فقد استقرّ في حدود
50 دينارا، في حين وصل سعر الكيلوغرام الواحد للسلاطة إلى 120 دينار بينما
عرف الطماطم والبصل استقرارا في الأسعار بـ 25 دينارا، أمّا البطاطا التي
يدمن عليها الجزائريون فقد وصل سعرها إلى 45 دينارا للكغ، أمّا أسعار
الفواكه فقد عرفت هي أخرى ارتفاعا حيث وصل سعر العنب إلى 170 دينار في
الأسواق الشعبية وتعدّى 230 دينار في الأسواق الراقية، في حين وصل سعر
التين إلى 140 دينار أمّا سعر البطّيخ الأحمر فاستقرّ عند 35 دينارا
للكيلوغرام، أمّا البطيخ الأصفر والكنتالو فيتراوح ما بين 50 و70 دينارا
للكيلوغرام·
فدرالية المستهلكين راضية على نتائج حملة مقاطعة اللّحوم
أعرب
مسؤولو الفدرالية الجزائرية للمستهلكين أمس الأربعاء عن رضاهم عن النتائج
التي حقّقتها الحملة الوطنية لمقاطعة اللّحوم التي بادرت بها عشية شهر
رمضان، والتي بلغت نسبتها 30 بالمائة خلال الفترة الممتدّة من 10 إلى 16
جويلية الحالي·
وأوضح ممثّل الفدرالية للجزائر وسط السيّد مصطفى زبدي
خلال ندوة صحفية أن الفدرالية التي (كانت تتوقّع أن تبلغ نسبة المقاطعة
حوالي 60 بالمائة راضية على النّسبة المحقّقة، والتي بلغت حوالي 30 بالمائة
باعتبارها أوّل مبادرة من هذا النّوع على المستوى الوطني)· وأوضح ممثّل
الفدرالية أن نسب الاستجابة المتابعة من طرف جمعيات حماية المستهلك على
مستوى أسواق الجملة، وكذا عن طريق تصريحات بعض التجّار وبائعي اللّحوم كانت
متباينة من منطقة الى أخرى مع تسجيل نسب متفاوتة في الأحياء الشعبية،
وتأسّف بالمناسبة عن عدم دعم السلطات العمومية لهذه الحملة متّهما بعض
الجهات بالعمل على تكسيرها، لافتا الى أن ارتفاع أسعار اللّحوم يرجع إلى
أسباب عديدة أبرزها عامل (تهريب هذه المادة إلى دول الجوار)· وكان الأمين
العام للاتحاد العام للتجّار والحرفيين الجزائريين السيّد صالح صويلح قد
اعتبر نداء مقاطعة شراء اللّحوم خلال شهر رمضان (ليس حلاّ) لمواجهة ارتفاع
أسعار اللّحوم في السوق، مؤكّدا وجود بدائل تتمثّل ـ حسبه ـ في تخفيض
الرّسوم الجبائية المفروضة عليها·
أحزاب غارقة في صراعاتها·· وأخرى تولد قريبا
لم
تتوقّف مأساة المواطن عشية رمضان عند ارتفاع الأسعار، بل امتدّت إلى
السياسة عندما علم بأن الصراعات السياسية أخذت حصّة الأسد من اهتمامات نواب
البرلمان الذين انتخبوهم ليكونوا الممثّلين الشرعيين لهم في المجلس الشعبي
الوطني ويرفعون انشغالاتهم إلى الحكومة، غير أنهم استيقظوا على واقع أنهم
في ذيل قائمة اهتماماتهم·
فبينما المواطن الجزائري المغلوب على أمره
يحاول مواجهة لهيب الأسعار ويبحث عن منفذ لقضاء شهر رمضان دون ديون، هاهم
النواب في عطلة استغلّها البعض منهم ليعلن العصيان على حزبه الذي قاده إلى
كرسي البرلمان وتشكيل حزب جديد، حيث أعلن مترشّح تكتّل الجزائر الخضراء
وزير الأشغال العمومية السابق عمار غول عن تأسيسه لحزب جديد الذي سيرى
النّور شهر سبتمبر المقبل، والذي سيجمع عددا من الشخصيات النّاشطة في
المجتمع المدني وأعضاء في حركة مجتمع السلم، لينهي بذلك الوعود التي قطعها
للمواطنين خلال حملته الانتخابية بتحسين أوضاعهم الاجتماعية· نفس الصراع
يعرفه حزب القوى الاشتراكية الذي يتزعّمه حسين آيت أحمد، والذي تحصّل على
21 مقعدا في الانتخابات التشريعية، حيث استقال سكرتير الأوّل السابق لجبهة
القوى الاشتراكية والنّائب الحالي في البرلمان كريم طابو، ومن المنتظر أن
يعلن قريبا عن تأسيس حزب جديد بعدما اتّهمته قيادة الأفافاس الحالية
بالانحراف عن أهدافها في خدمة الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية،
وهي المبادئ التي استقاها الحزب عن مبادئ بيان 1 نوفمبر 1954· وأمام اهتمام
النواب بمشاكلهم السياسية ووضع مطالب الشعب بمنأى عن اهتماماتهم عادت نظرة
المواطنين إلى أن الحياة السياسية في الجزائر حكم عليها بالإعدام منذ زمن،
رغم فتح الأبواب أمام التغيير السياسي من خلال تشكيل عدد كبير من الأحزاب
الجديدة التي هي في حقيقة الأمر لا تملك أيّ سلطة، وهذا ما أكّدته نتائج
التشريعيات الأخيرة التي تمكّنت بامتياز من أن تمسح من أذهان الجزائريين
كلّ ذكرى لها صلة بالإصلاح السياسي·
ماذا عن جلسات الاستماع الرمضانية؟
كما
جرت العادة من المتوقّع أن يباشر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة
تزامنا مع حلول شهر رمضان جلسات الاستماع الوزارية، حيث طالب جميع الوزراء
بإيفاده بجميع التقارير القطاعية السنوية لتتمّ مناقشتها، والتي أصبحت
جاهزة على مكتب الرئيس منذ الفاتح جويلية، ممّا يؤول عدم وجود أيّ تعديل
حكومي وتأجيله إلى ما بعد شهر رمضان واستمرار الحكومة الحالية التي يصفها
الجميع بالعرجاء لوجود 07 قطاعات استيراتيجية تسير بالنيابة، وهو الأمر
الذي سيطرح عدّة تساؤلات أهمّها كيف سيتمكّن الوزراء المعينون بالنيابة من
مناقشة إنجازات قطاع عيّنوا على رأسه منذ شهري ماي المنصرم؟ وهل ستتمّ
محاسبتهم على أخطاء الوزراء السابقين الذين نجحوا في الحصول على تأشيرة
دخول البرلمان ؟ أم يكتفوا بتقديم حصيلة أدائهم لقطاعاتهم الأصلية لسنة
كاملة؟
لكن تبقى أذهان الرأي العام خلال الشهر العظيم مشدودة إلى جلسات
الاستماع لعدّة قطاعات حساسة أهمّها قطاع السكن، التجارة، العمل والتشغيل،
التربية والصحّة، فهل سيتمكّن الوزير نور الدين موسى من الإجابة على أسباب
الاحتجاجات التي شهدتها مختلف المدن الجزائرية بسبب أزمة السكن رغم
الأرقام التي تقدّمها الوزارة، والتي تشير إلى مشاريع ضخمة أنجزت في هذا
الإطار كافية للقضاء على الأزمة من جذورها؟ وهل سيحدّد موضع الخلل؟ سؤال
آخر يطرحه نفسه بقوّة وسيكون إلزاميا على وزير التجارة الردّ عليه، ويتعلّق
بـ: كيف لم تقض السياسة التي انتهجتها الوزارة على المضاربة التي أصبحت
كمرض عضال عكّر جميع حسابات بن بادة؟ وكيف لم تنجح سياسة استيراد أطنان من
اللّحوم المجمّدة سنويا، والتي كلّفت الخزينة العمومية الملايير في القضاء
على هذه الأزمة؟ ولماذا لم يتمّ التعجيل بتطبيق سياسة تسقيف الأسعار؟ وهل
سيتمكّن كلّ من الوزير ولد عباس وأبو بكر بن بوزيد من تبرير أسباب غليان
قطاعاتهما؟
ب· حنان