الحسن
بن علي بن أبي طالب ، أبو محمد ، ولدته فاطمة في المدينة سنة ( 3هـ ) ،
وهو أكبـر أبنائها ، كان عاقلاً حليماً محباً للخير وكان أشبه أهل النبي
بجده النبي -صلى الله عليه وسلم- 000
كرم النسب
قال معاوية وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف :( من أكرم الناس أباً
وأماً وجدّاً وجدّة وخالاً وخالةً وعمّاً وعمّةً )000فقام النعمان بن عجلان
الزُّرَقيّ فأخذ بيد الحسن فقال :( هذا ! أبوه عليّ ، وأمّه فاطمة ، وجدّه
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وجدته خديجة ، وعمّه جعفر ، وعمّته أم
هانىء بنت أبي طالب ، وخاله القاسم ، وخالته زينب )000فقال عمرو بن العاص
:( أحبُّ بني هاشم دعاك إلى ما عملت ؟)000 قال ابن العجلان :( يا بن العاص
أمَا علمتَ أنه من التمس رضا مخلوق بسخط الخالق حرمه الله أمنيّته ، وختم
له بالشقاء في آخر عمره ، بنو هاشم أنضر قريش عوداً وأقعدها سَلَفاً ،
وأفضل أحلاماً )000
حب الرسول له
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- والحسن على عاتقه :( اللهـم إني أحـبُّ
حسنـاً فأحبَّـه ، وأحِـبَّ مَـنْ يُحبُّـه )000وكان الرسول -صلى الله عليه
وسلم- يصلي ، فإذا سجد وثب الحسنُ على ظهره وعلى عنقه ، فيرفع رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- رفعاً رفيقاً لئلا يصرع ، قالوا :( يا رسول الله ،
رأيناك صنعت بالحسن شيئاً ما رأيناك صنعته بأحد )000قال:( إنه ريحانتي من
الدنيا ، وإن ابني هذا سيّد ، وعسى الله أن يصلح به بين فئتيـن عظيمتيـن
)000
الهيبة والسؤدد
كان الحسن -رضي الله عنه- أشبه أهل النبي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ،
فقد صلّى أبو بكر الصديق صلاة العصر ثم خرج يمشي ومعه عليّ بن أبي طالب ،
فرأى الحسن يلعبُ مع الصبيان ، فحمله على عاتقه و قال :( بأبي شبيه بالنبيّ
، ليس شبيهاً بعليّ )000وعلي يضحك000
كما قالت زينب بنت أبي رافع : رأيت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أتت بابنيها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شكواه الذي توفي
فيه فقالت :( يا رسول الله ! هذان ابناك فورّثْهُما )000فقال :( أما حسنٌ
فإن له هيبتي وسؤددي ، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي )000
أزواجه
كان الحسن -رضي الله عنه- قد أحصن بسبعين امرأة ، وكان الحسن قلّما تفارقه
أربع حرائر ، فكان صاحب ضرائر ، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري
وعنده امرأة من بني أسد من آل جهم ، فطلقهما ، وبعث إلى كلِّ واحدة منهما
بعشرة آلاف وزقاقٍ من عسل متعة ، وقال لرسوله يسار بن أبي سعيد بن يسار وهو
مولاه :( احفظ ما تقولان لك )000فقالت الفزارية :( بارك الله فيه وجزاه
خيراً )000وقالت الأسدية :( متاع قليل من حبيب مفارقٍ )000فرجع فأخبره ،
فراجع الأسدية وترك الفزارية000
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال عليُّ :( يا أهل الكوفة ، لا تزوّجوا
الحسن بن عليّ ، فإنه مطلاق )000فقال رجل من همدان :( والله لنزوِّجَنَّهُ ،
فما رضي أمسك ، وما كره طلّق )000
فضله
قال معاوية لرجل من أهل المدينة :( أخبرني عن الحسن بن علي )000قال :( يا
أمير المؤمنين ، إذا صلى الغداة جلس في مصلاّه حتى تطلع الشمس ، ثم يساند
ظهره ، فلا يبقى في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل له شرف إلاّ
أتاه ، فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين ، ثم ينهض فيأتي أمهات
المؤمنين فيُسلّم عليهن ، فربما أتحفنه ، ثم ينصرف إلى منزله ، ثم يروح
فيصنع مثل ذلك )000فقال :( ما نحن معه في شيء )000
كان الحسن -رضي الله عنه- ماراً في بعض حيطان المدينة ، فرأى أسود بيده
رغيف ، يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة ، إلى أن شاطره الرغيف ، فقال له الحسـن
:( ما حَمَلك على أن شاطرتـه ؟ فلم يعاينه فيه بشـيء )000قال :( استحت
عيناي من عينيه أن أعاينـه )000أي استحياءً من الحسـن ، فقال له :( غلام من
أنت ؟)000قال :( غلام أبان بن عثمان )000فقال :( والحائط ؟)000أي البستان ،
فقال :( لأبان بن عثمان )000فقال له الحسن :( أقسمتُ عليك لا برحتَ حتى
أعود إليك )000فمرّ فاشترى الغلام والحائط ، وجاء الى الغلام فقال :( يا
غلام ! قد اشتريتك ؟)000فقام قائماً فقال :( السمع والطاعة لله ولرسوله ولك
يا مولاي )000قال :( وقد اشتريت الحائط ، وأنت حرٌ لوجه الله ، والحائط
هبة مني إليك )000فقال الغلام :( يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له
)000
حكمته
قيل للحسن بن علي :( إن أبا ذرّ يقول : الفقرُ أحبُّ إلي من الغنى ، والسقم
أحبُّ إليّ من الصحة )000 فقال :( رحِمَ الله أبا ذر ، أما أنا فأقول :(
من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمنّ أنه في غير الحالة التي اختار
الله تعالى له ، وهذا حدُّ الوقوف على الرضا بما تصرّف به القضاء )000
قال معاوية للحسن بن عليّ :( ما المروءة يا أبا محمد ؟)000قال :( فقه الرجل في دينه ، وإصلاح معيشته ، وحُسْنُ مخالَقَتِهِ )000
دعا الحسنُ بن عليّ بنيه وبني أخيه فقال :( يا بنيّ وبني أخي ، إنكم صغارُ
قومٍ يوشك أن تكونوا كبارَ آخرين ، فتعلّموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن
يرويه أو يحفظه ، فليكتبهُ وليضعه في بيته )000
عام الجماعة
بايع أهل العراق الحسن -رضي الله عنه- بالخلافة بعد مقتل أبيه سنة ( 40هـ )
، وأشاروا عليه بالمسير الى الشام لمحاربة معاوية بن أبي سفيان ، فزحف بمن
معه ، وتقارب الجيشان في موضع يقال له ( مسكن ) بناحية الأنبار ، ولم
يستشعر الحسن الثقة بمن معه ، وهاله أن يقْتتل المسلمون وتسيل دماؤهم ،
فكتب إلى معاوية يشترط شروطاً للصلح ، ورضي معاوية ، فخلع الحسن نفسه من
الخلافة وسلم الأمر لمعاوية في بيت المقدس سنة ( 41هـ ) وسمي هذا العام (
عام الجماعة ) لاجتماع كلمة المسلمين فيه ، وانصرف الحسن -رضي الله عنه-
الى المدينة حيث أقام000
الحسن ومعاوية
قال معاوية يوماً في مجلسه :( إذا لم يكن الهاشمـيُّ سخيّاً لم يشبه حسبه ،
وإذا لم يكن الزبيـري شجاعاً لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن المخزومـي تائهاً
لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن الأمـوي حليماً لم يشبه حسبه )000فبلغ ذلك
الحسن بن علي فقال :( والله ما أراد الحق ، ولكنّه أراد أن يُغري بني هاشـم
بالسخاء فيفنوا أموالهم ويحتاجون إليه ، ويُغري آل الزبيـر بالشجاعة
فيفنوا بالقتل ، ويُغري بني مخـزوم بالتيه فيبغضهم الناس ، ويُغري بني
أميـة بالحلم فيحبّهم الناس !!)000
مرضه
قال عبد الله بن الحسين : إن الحسن كان سُقِيَ ، ثم أفلتَ ، ثم سُقِيَ
فأفلتَ ، ثم كانت الآخرة توفي فيها ، فلمّا حضرته الوفاة ، قال الطبيب وهو
يختلف إليه :( هذا رجلٌ قد قطع السُّمُّ أمعاءه )000فقال الحسين :( يا أبا
محمد خبّرني من سقاك ؟)000قال :( ولِمَ يا أخي ؟ )000قال :( اقتله ، والله
قبل أن أدفنـك ، أولا أقدرُ عليه ؟ أو يكون بأرضٍ أتكلّف الشخـوص إليه
؟)000فقـال :( يا أخـي ، إنما هذه الدنيا ليالٍ فانية ، دَعْهُ حتى ألتقـي
أنا وهو عنـد الله )000فأبى أن يُسمّيَهُ ، قال :( فقد سمعتُ بعضَ من يقول :
كان معاوية قد تلطّف لبعض خدمه أن يسقيَهُ سُمّاً )000
بكاؤه
لمّا أن حَضَرَ الحسن بن علي الموتُ بكى بكاءً شديداً ، فقال له الحسين :(
ما يبكيك يا أخي ؟ وإنّما تَقْدُمُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ،
وعلى عليّ وفاطمة وخديجة ، وهم وُلِدوك ، وقد أجرى الله لك على لسان النبي
-صلى الله عليه سلم- :( أنك سيّدُ شباب أهل الجنة )000وقاسمت الله مالَكَ
ثلاث مرات ، ومشيتَ الى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرّةً حاجّاً)000وإنما
أراد أن يُطيّب نفسه ، فوالله ما زاده إلا بكاءً وانتحاباً ، وقال :( يا
أخي إني أقدِمُ على أمرٍ عظيم مهول ، لم أقدم على مثله قط )000
وفاته
توفي الحسن -رضي الله عنه- في سنة ( 50هـ ) ، وقد دُفِنَ في البقيع ، وبكاه
الناس سبعة أيام : نساءً وصبياناً ورجالاً ، رضي الله عنه وأرضاه000وقد
وقف على قبره أخوه محمد بن عليّ وقال :( يرحمك الله أبا محمد ، فإن عزّت
حياتك لقد هَدَتْ وفاتك ، ولنعم الروحُ روحٌ تضمنه بدنك ، ولنعم البدن بدن
تضمنه كفنك ، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى ، وحليف أهل التقى ، وخامس
أصحاب الكساء ، غذتك أكف الحق ، وربيت في حجر الإسلام ورضعت ثدي الإيمان ،
وطبت حيّاً وميتاً ، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك فلا نشك في الخيرة
لك ، رحمك الله )000